هل انتهت أيام مشغلات MP3؟ ما هو مستقبل هذه الصناعة؟
لماذا انخفضت مبيعات مشغلات الموسيقى مؤخراً؟ وهل انتهت أيام مشغلات MP3؟
قبل حوالي 20 عاماً من اليوم، كانت تقنية تشغيل الموسيقا المحمولة لا تزال تعد بدائية إلى حد بعيد بالمقارنة مع اليوم، فنوعا المشغلات الأكثر استخداماً كانا مشغلات أشرطة الكاسيت ومشغلات الأقراص الضوئية، لكن ما نعتبره اليوم عادياً للغاية كان يعد ثورياً في نهاية القرن العشرين، حيث باتت مشغلات MP3 هي الخيار المفضل لمحبي الموسيقى في كل مكان بفضل قدرتها على الاحتفاظ بعدد كبير من الأغاني والاستماع لها بأي وقت، لكن الأمر لا يدوم على حال واحد لأي تقنية.
عند تقديم جهاز Apple iPod للمرة الأولى عام 2000، كانت الجوالات المحمولة مجرد أدوات للاتصال وربما إرسال الرسائل النصية أحياناً، فذاك العام حمل معه جوال Nokia 3310 الشهير بالتحديد، وبنظرة سريعة للجوالات في تلك الفترة فقد كان من الواضح أنها ليست مناسبة لتنافس مشغلات الموسيقى، فبينما كانت مشغلات MP3 تسمح بتخزين مئات وحتى آلاف الأغاني ضمنها، كانت الجوالات حينها لا تدعم تشغيل الموسيقى أصلاً.
لماذا انخفضت مبيعات مشغلات الموسيقى مؤخراً؟
بداية من عام 2000 وتقديم Apple لمشغل الموسيقى الخاص بها، فقد تمكنت الشركة من خطف الأضواء من شركة Sony التي ابتكرت فكرة مشغل الموسيقى المحمول أصلاً مع ابتكار جهازها الذي يستخدم أشرطة الكاسيت: Sony Walkman. هذا الأمر قاد نحو تمدد كبير لمجال مشغلات الموسيقى المحمولة الصغيرة وبالتحديد مشغلات MP3، حيث بات للمستخدم الحرية باختيار ما يشاء من بين مئات أو آلاف الأغاني المتعددة مع كون الجهاز صغيراً للغاية وقابلاً للشحن.
بطبيعة الحال فقد استثمرت Apple فكرتها هذه (ولو أنها ليست أول من أنتج مشغلات MP3) وطورتها لتقديم سلاسل متجددة من مشغلات الموسيقى الخاصة بها مثل iPod Touch وiPod Nano وiPod Shuffle كذلك، لكن الأفضلية الكبرى التي كانت بيد مشغلات الموسيقى سرعان ما زالت تحت تأثير التطور الكبير للجوالات الذكية والانتقال إلى الجوالات العاملة باللمس والأنظمة الحديثة مثل iOS وAndroid، حيث لعبت عدة عوامل دوراً كبيراً في انخفاض مبيعات مشغلات الموسيقى وأهمها:
- الجوالات الذكية، وحتى العادية تستطيع تشغيل الموسيقى:
خلال الفترة الأولى من الانتشار الواسع للجوالات المحمولة مطلع القرن الحادي والعشرين، كان هذه الأجهزة مخصصة للاتصالات والرسائل النصية بالدرجة الأولى، وأحياناً بعض الألعاب الصغيرة، فقد كانت تفتقر للشاشات الواضحة وحتى مساحة التخزين الكافية أو البرمجيات اللازمة لتشغيل الموسيقى، لكن بحلول عام 2005 فقد كانت مختلف أنواع الجوالات تمتلك القابلية لتوسيع الذاكرة ببطاقات ذاكرة من نوع Micro SD وبات تشغيل الموسيقى أمراً معتاداً للجوالات حتى أن بعض الجوالات الشهيرة مثل Nokia 3250 وNokia N73 بنت حملاتها الإعلانية بشكل شبه كامل على كونها أدوات لتشغيل الموسيقى.
- غياب قابلية تحميل ونقل الموسيقى بسهولة:
بينما كانت الجوالات المحمولة ومن ثم الجوالات الذكية تمتلك تقنيات مخصصة لنقل الملفات سواء عبر Bluetooth أو الشبكات اللاسلكية بالإضافة لكونها فادرة على تحميل الملفات الموسيقية من الإنترنت، فمشغلات الموسيقى المحمولة بقيت حتى فترة متأخرة (والعديد منها لا تزال حتى اليوم) عاجزة عن نقل الموسيقى فيما بينها أو تحميلها من الإنترنت، حيث أن الموسيقى يجب أن توضع بشكل يدوي ضمن الجهاز باستخدام حاسوب عبر وصلة بينهما. هذا الأمر جعل اقتناء الموسيقى بسهولة أمراً منحازاً إلى حد بعيد لصالح الجوالات الذكية. - نمو نفوذ خدمات البث المباشر للموسيقى بدلاً من تحميلها للذاكرة الداخلية:
حتى فترة قريبة، كان الحصو على الموسيقى يتطلب شراء الألبوم الخاص بالمغني سواء على قرص مدمج أو عبر الإنترنت، ومن ثم الاحتفاظ به في مشغل الموسيقى أو الجوال لتشغيله، لكن خدمات البث المباشر غيرت طريقة استمتاعنا بالموسيقى بشكل كلي، فبدلاً من التحميل والتشغيل من الذاكرة، بات من الممكن الاستماع للموسيقى مباشرة عبر الإنترنت، وبدلاً من كون المستخدم محصوراً بمجموعة من الأغاني فقط، فملايين الأغاني والمقطوعات الموسيقية باتت متاحة، فعلى الصعيد العالمي تتصدر خدمات Spotify وGoogle Play Music الاستخدام، فيما أن خدمة "أنغامي" تلاقي انتشاراً كبيراً في العالم العربي. هذا الانتقال الكبير نحو البث المباشر للموسيقى بدلاً من التحميل جعل مشغلات الموسيقى خلف الجوال الذكية بمراحل، فحتى مشغلات الموسيقى التي تمتلك اتصال Wi-Fi وتدعم هذه الخدمات لن تكون فعالة خارج المنزل فيما الجوالات الذكية تمتلك ميزة الاتصال ببيانات الجوال. - السعر المرتفع وكونها غير ضرورية حقاً:
مع كون مشغلات الموسيقى قابلة للاستبدال بالكامل من قبل الجوالات الذكية، فاستخدامها بشكل مستقل يشكل عبئاً مادياً بالنسبة للمستخدمين ذوي الدخل أو الميزانية المنخفضة، فامتلاك جوال ذكي يكلف عادة بضع مئات من الدولارات، يجعل اقتناء مشغل موسيقى إضافي أمراً غير محبذ وصرفاً غير ضروري للمال، حيث أنه يمكن التخلي عنه بالكامل بالنسبة للمستخدمين العاديين مع كون تقنيات الصوت في الجوالات الذكية منافسة قوية للتقنيات الموجودة في مشغلات الموسيقى العادية (وليس الاحترافية بالطبع).
هل هناك أسباب مقنعة لشراء مشغل موسيقا اليوم؟
على الرغم من أن مشغلات الموسيقى باتت تلاقي تراجعاً كبيراً في المبيعات اليوم، فهي لا تزال تمتلك بعض الفوائد الإضافية الغير متوافرة في الجوالات الذكية الحالية، ومع أن هذه الميزات بات غير مهمة حقاً بالنسبة لمعظم المستخدمين، ففئات معينة لا تزال تشكل سبباً قوياً وكافياً لشراء واستخدام مشغل موسيقى محمول. أهم هذه الأسباب:
- مشغلات الموسيقى الصغيرة أسهل للحمل أثناء الرياضة:
بالنسبة للرياضيين أو الأشخاص العاديين الذين يمارسون الركض بشكل دوري، فالاستماع للموسيقى أمر شائع للغاية حيث يقوم به معظم الرياضيين، لكن مع كون الجوالات الذكية الحديثة كبيرة الحجم للغاية، فغالباً ما يكن حملها أمراً مزعجاً أ غير محبذ حتى، فمعظم الجوالات الذكية الحالية تمتلك شاشات بقياس 5 إنش أو أكثر وهي بالتالي أكبر من أن توضع ضمن ملابس الرياضة بشكل مريح أثناء العدو، كما أن تثبيتها على رباط على المعصم ليس عملياً تماماً حتى الآن، فالمشغلات الموسيقية الصغيرة الحجم مثل iPod Nano مثلاً لها أفضلية هنا مع كونها صغيرة الحجم للغاية وقابلة للتثبيت بسهولة على أي نوع من الملابس.
- الخسارة الناتجة عن السرقة أقل بشكل كبير:
أكثر حالات سرقة الجوالات الذكية تتم عن طريق النشل من يد المستخدم أو جيبه سواء في الشوارع والأماكن العامة، أو ضمن وسائط النقل المزدحمة، ومع كون الجوالات الذكية اليوم غالية الثمن، فالتضحية بمشغل موسيقى عادي غالباً ما يكون أرخص بكثير من الجوالات أمر أفضل من خسارة الجوال الذكي، فاستخدام مشغل موسيقى محمول يعني أن الجوال الذكي قابل للتوضيب بأمان أكثر ضمن الحقيبة مثلاً، كما أن احتمال استهداف النشالين لمشغلات الموسيقى أقل من احتمال استهدافهم للجوالات أصلاً. على أي حال فخسارة الجوال الذكي تشكل خسارة أكبر بكثير ليس بسبب السعر فقط، بل بسبب المحتوى، فعلى عكس الجوالات الذكية فمشغلات الموسيقى تحتوي ملفات موسيقية فقط، فيما الجوالات تتضمن معلومات كاملة عن المستخدم وكثيراً ما تتضمن حساباته الإلكترونية والوصول لحساباته البنكية ومعلوماته الشخصية عدا عن الصور الشخصية والفيديو. - مشغلات الموسيقى الاحترافية تقدم صوتاً أفضل:
لعل هذا السبب هو الأقل شعبية اليوم، لكنه على الأرجح الأكثر استخداماً من قبل مقتني المشغلات الموسيقية المحمولة اليوم، خصوصاً الأنواع الباهظة الثمن منها. فبينما جهاز iPod مثلاً لا يقدم أي جودة إضافية للصوت بالمقارنة مع الجوالات الذكية، فالأجهزة الباهظة الثمن (والتي قد يصل سعرها لبضعة آلاف من الدولارات) تقدم ودة أفضل بكثير مع كونها تستطيع تشغيل ملفات الموسيقى ذات الدقة العالية مثل flac على مكبرات صوت ضخمة دون أن تعاني من أي تشويش أو تقطع في الصوت.
هل سيتوقف إنتاج مشغلات الموسيقى المحمولة تماماً؟
الجواب هو على الأغلب لا. فعلى الرغم من أن هذه الفئة من الأدوات التقنية باتت تلاقي انحداراً كبيراً بالمبيعات وانتشاراً أقل يوماً بعد يوم، فهي لن تختفي بشكل كامل (ليس جميع الفئات على الأقل)، وبينما ماركات شهيرة مثل iPod قد تتوقف بشكل كامل، فالمشغلات ذات الجودة العالية ستستمر لسنوات طويلة قادمة، ولو أنها ستلاقي انخفاضاً متكرراً بالانتشار.
من حيث المبدأ، يمكن النظر للحال بشكل مشابه لانتشار الكاميرات الرقمية العادية منها والاحترافية، حيث أن هذه الأدوات لاقت انخفاضاً كبيراً بالطلب عليها مع تطور تقنيات التصوير في الجوالات الذكية الحديثة، لكن الفئة العليا منها أي الكاميرات الاحترافية لاقت استقراراً بالمبيعات إلى حد بعيد مؤخراً، فحتى مع كونها تستخدم من نسبة قليلة فقط من المهتمين بالتصوير، فجودتها العالية وتفوقها الواضح على كاميرات الجوالات يبقيها مستمرة اليوم مع قاعدة مستخدمين ثابتة عموماً.
مع كون مشغلات الموسيقى من الفئة العليا ستستمر بالوجود لاحقاً على الأرجح، فالأمر ليس مشابهاً تماماً بالنسبة للمشغلات العادية، فهذه المشغلات تواجه انخفاضاً حاداً قد يرغم الشركات على التوقف عن إنتاجها تماماً أو ربما ترقيتها لتصبح أجهزة ذات جودة موسيقى عالية للحفاظ على استمراريتها ولو لعدد أقل من المستخدمين، ومع كون معدل طرح أجهزة iPod مثلاً تباطأ بشكل كبر مؤخراً، فمن غير المستبعد أن يكون الجيل السادس لأجهزة iPod Touch هو نهاية مشوار استمر لـ 15 عاماً.
في النهاية، يوجد العديد من الأسباب التي تبرر للبعض الاستمرار باستخدام مشغلات الموسيقى المحمولة، ومع كون هذه الأسباب تتناقص بشكل مستمر، فانتشار ومبيعات هذه الأجهزة مستمر بالانحدار دون شك، لكن هذا الانحدار لن يكون كافياً لتختفي تماماً أو يتوقف إنتاجها، على الأقل ليس في الأعوام القليلة القادمة.
- [[PropertyDescription]] [[PropertyValue]]